البداية
وأنتوني دي ميللو أول من صدمني بمعرفة أن بديهيات الحياة ليس من المفترض أن تكون وأن تظل بديهيات، وكل شيء قابل للتأمل، وللتغيير، وللتفتيت، وليوضع موضع المساءلة، كل شيء بلا استثناء.
والشيء الثاني الذي تعلمته منه، على ما أعتقد، هو أن الحكم والأفكار العظيمة لا يجب بالضرورة أن تصدر عن وجه جامد وبكلمات حنجورية، بل يمكن العثور عليها في وسط الدعابات والطرائف، وربما أثناء بحثي هذا عثرت على الكثير مما كنت أعتبره نكتة أو مزحة لطيفة، ولكن مع اتباع منهج دي ميللو، أصبحت أتعلم من كل ما يمر على في الطريق، بغض النظر عن هيئته والطريقة التي يقدم بها.
وأشياء أخرى كثيرة.
يقول دي ميللو في إحدى حكاياته، بتصرف، فليس معي النص الأصلي لها:
في أحد الأيام هطلت الأمطار الشديدة في القرية حتى أغرقت كل شيء وبدأ الناس في الهروب، ومكث الكاهن منتظرًا، جاءه رجل بسيارة وقال له: تعالَ معنا، بعد قليل سيغرق كل شيء.
قال الكاهن بثقة: لا تخف، اذهب أنت، أما أنا سأنتظر حتى ينقذني الرب.
بعد قليل وبعد أن ارتفع منسوب المياه قليلاً، أتى رجل بعربة يجرها حمار وقال له: تعالَ، فرد عليه بنفس الثقة السابقة، لا الرب سينقذني، فأنا خادمه منذ سنوات عديدة ولن يتركني لأغرق.
أرتفع منسوب المياه حتى غطى كل شيء ولم يجد الكاهن أمامه سوى شجرة مرتفعة فصعد عليها، وبعد قليل جاءه رجل في قارب وقال له، تعالَ معنا الآن، لا توجد وسيلة أخرى للخروج من هذا المكان.
إلا إنه أصر مرة أخرى قائلاً إنه في انتظار الرب.
ومات الكاهن غرقًا
وصعدت روحه إلى السماء، ووجد نفسه وجهًا لوجه أمام اللهفنظر إليه بعتاب وقال له: لم يكن هذا عشمي يارب، بعد أن خدمتك كل هذه المدة تتركني لأموت غرقًا بهذا الشكل.
قال له الرب: أنا لم اتركك لقد أرسلت لك سيارة ورفضتها، عربة يجرها حمار ورفضتها، مركباً رفضته، ماذا كنت تريدني أن أفعل أكثر من ذلك؟؟؟؟؟؟؟